الصفحة الرئيسية / هل ستؤثر مقاطعة الصدر وانسحاب الحزب الشيوعي؟.. انتخابات تشرين بين "الإجراء والتأجيل"

هل ستؤثر مقاطعة الصدر وانسحاب الحزب الشيوعي؟.. انتخابات تشرين بين "الإجراء والتأجيل"


المحايد/ ملفات
بعد مقاطعة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للانتخابات المقبلة، واعلان الحزب الشيوعي انسحابه من التنافس الانتخابي، بدأت مخاوف الأطراف السياسية من إمكانية تأجيلها إلى موعد آخر.
وفي وقت سابق أعلن الصدر عن مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي من المقرر إجراؤها في شهر تشرين الأول المقبل.
وبعد ذلك، أقدم الحزب الشيوعي يوم أمس على إعلان الانسحاب من الانتخابات العراقية.
ورغم عدم وضوح الحجم الحقيقي للكتل والأحزاب التي تتنافس لخوض الانتخابات المبكرة في العراق في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إلا أن الاقتراع سيكون الأقل من حيث المتنافسين (المرشحين) والأشرس في مجال التنافس على الناخبين (المواطنين) الذين يحق لهم المشاركة، والذين يبلغ عددهم نحو 25 مليون ناخب.
وأبقيت مقاعد البرلمان على حالها (329 مقعداً)، وبينما تنافس 7 آلاف مرشح للفوز عليها في عام 2018، فإن أعداد المتنافسين في انتخابات أكتوبر وعلى المقاعد نفسها لا يزيد على 3500 مرشح. هذا الانخفاض الكبير في أعداد المتنافسين الذين يزيد على النصف تقريباً لا يعني عزوفاً عن خوض السباق بقدر ما يعني التفافاً على القانون الانتخابي الجديد الذي يعتمد الدوائر المتعددة والتصويت الفردي.
وفي كل الانتخابات السابقة، وطبقاً لقانون سانت ليغو المعدل الذي كانت تعتمده مفوضية الانتخابات، كانت الانتخابات تجرى على أساس الدائرة الواحدة والقوائم الفائزة. 
وكانت تلك الصيغة مناسبة للقوى والأحزاب الكبيرة التي بقيت بموجب ذلك تتسيد المشهد السياسي في البلاد. 
والدائرة الواحدة والفوز بأصوات القائمة كان يؤمن حصول الكتل الكبيرة على الأصوات، لأن جميع أصوات المرشحين حتى من لم يفز تذهب إلى القائمة في النهاية.
القانون الانتخابي الجديد الذي تم تشريعه تحت الضغط الجماهيري بعد الاحتجاجات الجماهيرية الكبرى منذ عام 2019 يقوم على الدوائر المتعددة، والفوز بأعلى الأصوات لا يحتاج إلى تعددية المرشحين بقدر ما يحتاج إلى آليات أخرى للفوز، والالتفاف على إرادة الناخب، في المقدمة منها المال السياسي والولاءات العشائرية والمناطقية، بالإضافة إلى النفوذ عبر السلطة أو السلاح المنفلت. 
ومع اقتراب موعد الانتخابات، فإن المشكلة التي بات يواجهها الجميع هي أن هذه الانتخابات تحولت إلى مشكلة بحد ذاتها، سواء أجريت في موعدها (المبكر)، أو تم تأجيلها إلى موعدها التقليدي والدستوري خلال شهر مايو (أيار) عام 2022. 
وظهرت المخاوف من إجراء الانتخابات مثلما تعمل عليه الحكومة بكل قوة عبر تهيئة الأرضية المناسبة تكاد تكون بدرجة المخاوف نفسها من تأجيلها إلى موعدها الدستوري.
وفي ضوء إقرار قانون الانتخابات وتوافق القوى السياسية وإصدار البرلمان قراراً بحل نفسه قبل الانتخابات بثلاثة أيام، فضلاً عن المرسوم الجمهوري، يبدو أن الحديث عن تأجيل الانتخابات هو نتيجة الفراغ السياسي الذي يحدث في العراق، ولا توجد لدى القوى السياسية ما يمكن أن تشغل نفسها فيه.
برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات سياسية تلوّح باحتمالية إلغاء الانتخابات المبكرة في العراق المقرر إجراؤها في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، والعودة إلى اعتماد الموعد الدستوري المقرر في 2022، لدواع وحجج مختلفة، أبرزها، البيئة غير الملائمة أمنياً لإجراء انتخابات، وتقديم أحزاب سياسية طعونا في القانون الانتخابي لدى المؤسسات القضائية، فضلاً عن نوايا متصاعدة من القوى السياسية الناشئة المحسوبة على احتجاجات تشرين نحو إعلان مقاطعتها العملية الانتخابية المقبلة.
وتمثل التقسيمة الإدارية الجديدة للمناطق الانتخابية مرتكز الخلاف الحقيقي بين الجماعات السياسية، وقلة من تلك الجماعات هم الطرف المستفيد من التقسيمات الجديدة، وهم أولئك الذين يتبعون تيارات دينية تقليدية، ولهم قواعد شعبية ثابتة، ولا يمكن أن ينافسهم في جغرافيتهم المناطقية ودوائرهم طرف آخر، وهم أكثر الجماعات تمسكا بموعد الانتخابات المبكرة. 
بينما تقف الأغلبية من الجماعات السياسية وخاصة ذات الأجنحة المسلحة في موقف حرج من الاستعداد للمشاركة الانتخابية، لما تعانيه من مشكلات مالية في تمويل العمل الدعائي، وتراجع شعبيتها بين قواعدها في المحافظات الجنوبية، بفعل تهم ارتكابها جرائم ضد المتظاهرين السلميين، الأمر الذي سيعني خسارتها للمكتسبات السياسية التي تحققت في انتخابات 2018 بحصول الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة على ما يقرب من 25 مقعداً في البرلمان العراقي.
ويشكل سلاح الميليشيات وسلاح العشائر وسط وجنوب العراق، التهديد الأمني الأكبر على سير العملية والوصول الآمن لمراكز الانتخاب في محافظات وسط وجنوب البلاد، وكذلك محافظات ديالى ونينوى والأنبار وصلاح الدين، بالإضافة إلى مناطق حزام بغداد ومناطق أخرى خاضعة أمنيا لسيطرة تلك المجموعات المسلحة.
وقد توحي دعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى تعديل وزاري في حكومته إلى أن قرار تأجيل الانتخابات قد اتخذ في الأروقة السياسية، فليس من المنطقي أن يُجرى تعديل وزاري لحكومة لم يبق لها سوى 5 شهور، والجميع يدرك أن قرار التعديل الوزاري يحتاج إلى توافق سياسي ما بين الكيانات والأحزاب والتي ستعتقد أن التعديل الوزاري في مثل هذا التوقيت يعني بأن مرشحها للوزارة قد فشل وهناك حاجة لاستبداله وهو ما يضرها انتخابياً أمام جمهورها وقواعدها الشعبية.
إن عقد الانتخابات المبكرة في العراق يعد سابقة غير مألوفة في البيئة السياسية لما بعد 2003، ونجاح عقدها سيعتبره خصوم الكاظمي نجاحاً له وسبباً من أسباب ثقة الرأي العام والفواعل الإقليميين والدوليين به، وهو ما لا يروق لأغلب الفواعل المحليين الذين يصنفون الكاظمي على أنه جزء من المشروع الأمريكي ويعمدون إلى تسقيطه إعلامياً لضمان عدم ترشحه أو حصوله على ولاية ثانية في حال عُقدت الانتخابات في 2021 أو 2022. 
وأحرج الكاظمي القوى السياسية حينما دعا إلى انتخابات مبكرة أول مرة في حزيران/ يونيو 2021، دون التنسيق والمشورة معهم، وبحجة الدواع الفنية تم تأجيل موعد الانتخابات المبكرة إلى العاشر من تشرين الأول/أكتوبر المقبل. ولابد من الإشارة إلى أن الدواعي الفنية لا تتعلق فقط بالدوائر الانتخابية التي حُسمت ضمن قانون الانتخابات، ولكن الأمر يتعلق بالبطاقات الانتخابية التي يستخدمها المواطن للتصويت لمرشحه، حيث تنقسم القوى السياسية فيما بينها حول ضرورة أن يكون التصويت بالبطاقة البايومترية طويلة الأجل، بينما يرى آخرون أن بإمكان المواطن التصويت بالبطاقة قصيرة الأجل التي استخدمت في تزوير الانتخابات السابقة. 
وعلى المستويين الإقليمي والدولي، قد يدفع الأطراف الدولية المؤثرة في الساحة العراقية إلى تأييد قرار إلغاء الانتخابات المبكرة، لإعطاء الكاظمي إلى المزيد من الوقت والاستمرار في المفاوضات ووساطات التهدئة، مع علمهم أن الانتخابات المبكرة قد لا تعني بالضرورة التجديد للكاظمي بمنصب رئيس الوزراء، وقد تعيد إلى السلطة رئيس وزراء راديكالي يتبع سياسات مناقضة لسياسات الكاظمي، ولاسيما الخارجية منها. 
الانتخابات المبكرة ليست هدفا بحد ذاتها، وإنما الهدف الأهم هو إنهاء سيطرة الجماعات السياسية الفاشلة على العملية السياسية في العراق، والتأسيس لحياة سياسية جديدة تعتمد دستوراً حقيقيا قائما على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والتعددية بكل أشكالها، عبر إحلال نخبة سياسية بانتخابات نزيهة وإشراف دولي، فإن المؤكد هو أن الأطراف التي تتحكم بالمشهد السياسي في العراق منذ 2003 لن تتخلى عن السلطة، وستسعى إلى عرقلة إجراء الانتخابات المبكرة من خلال افتعال الأزمات والمشاكل والصراعات.
25-07-2021, 15:49
العودة للخلف